باسم ثروت
تُعد رواندا واحدة من أبرز الدول التي نجحت في تطبيق التعليم من أجل مهارات العمل وتطويره بما يتلائم مع أهدافها وسياساتها التعليمية، وكان لذلك أثر ملحوظ على المجتمع وخاصة بعد مذبحة عام 1994، والتي كانت واحدة من أكثر مذابح القرن وحشية، فقد تم ذبح عدد كبير من المعلمين ومن نجا منهم فر إلى الدول المجاورة، وتم تدمير الغالبية العظمى من المدارس فصار النظام التعليمي والكوادر البشرية العاملة به في حاجة إلى إعادة التشكيل والتدريب لمحاولة بدء نظام تعليمي غير ذلك الذي انهار تماماً.
وقدحصلت رواندا على جائزة الكومنولث الأولى لأفضل الممارسات في مجال التعليم من أجل إعطاء الأولوية لإمكانية الوصول إلى التعليم الأساسي الذي يدوم تسع سنوات موريشيوس، في 29 أغسطس 2012.
وورد في تقرير جودة التعليم لسنة 2014 الصادر عن اليونسكو أن رواندا من أفضل 3 دول في تجربة النهوض بالتعليم، لكن ترى ما الاستراتيجيات والسياسات التي اتبعتها رواندا في مجال التعليم حتى نهضت به بهذه السرعة؟
اولاً: اعتبرت روندا أن الحق في التعليم مكفول للجميع ومن هذا المنطلق وضعت سياسات وتدابير تشريعية ومؤسسية وإدارية متنوعة لتيسير تطور قطاع التعليم، وتتماشى القوانين والنظم التي تنظم قطاع التعليم في رواندا مع ظروف البلد وتأخذ بعين الاعتبار البرامج الدولية ومنها التعليم للجميع والأهداف الإنمائية للألفية.
لم ترغب الحكومة الرواندية في الاكتفاء ببناء اقتصاد قائم على المعرفة ومستند إلى التكنولوجيا، ولكنها رغبت أيضاً في تعزيز النظام التعليمي الذي يتيح للفتيات والأولاد المهارات والقيم اللازمة ليصبحوا مواطنين صالحين.
فقد اعتمدت رواندا اتباع سياسة قطاع التعليم في عام 2003، والسياسة التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة في عام 2007، وسياسة التعليم والتدريب التقني والمهني في عام 2008 لإنجاز هدف التعليم لجميع المواطنين، وغيرهم من الخطط والاستراتيجيات التي لحقتهم فيما بعد.
ثانياً: حرصت روندا وهي تطور آلياتها واستراتيجيتها التعليمية على الآتي :
وضع واختيار مناهج وأسلوب تعليم يحارب العنصرية، أصبحت مناهج التعليم في رواندا شديدة الصرامة فيما يتعلق بالانتماء والعنصرية، فيجب أن تكون رواندياً وفقط، دون أن تتفاخر باسم قبيلتك أو تنتمي إليها، وبصفة عامة أصبح التلفظ بكلمة عنصرية جريمة يعاقب عليها القانون، لم تعد الدولة تتعمد تزييف التاريخ ليعلي من شأن قبيلة دون أخرى.
مجانية التعليم: أتاحت روندا التعليم المجاني للجميع ونتيجة لذلك التحق بالمدارس عدد أكبر من الأطفال الذين يعانون من صعوبات كبيرة في التعلم، بما يجعلهم بالتالي عرضة للتسرب أكثر من غيرهم، وعولج هذا التحدي على جميع مستويات النظام التعليمي بإشراك معاهد تدريب المدرسين والأوساط الأسرية والمجتمع المحلي وزيادة إتاحة التعليم الجيد والشامل.
تطوير وتأهيل المعلمين: أقامت روندا العديد من الورش والدورات التدريبية التي تخرج معلمين قادرين على تقديم تعليم يوكب العصر ويلبي احتياجات سوق العمل وينهض بالبلاد اقتصادياً، سواء أكان على مستوى التعليم الأساسي أو الجامعي.
الاهتمام بالحداثة واللغة: ففي سنة 2008، استُبدلت اللغة الفرنسية في المناهج الدراسية، بالإنجليزية، لتكون الجامعات الرواندية مصدر جذب للطلاب من جميع أنحاء العالم، حتى أضحى الشباب الذين تلقوا أبجديات النظام التعليمي الجديد متمكنون من اللغة الإنجليزية.
كما اعتمدت روندا نظاماً يسمى تكنولوجيا المعلومات والاتصال من أجل التعليمICT4E، وهو نظام يستبدل وسائل التعليم والكتب التقليدية، بمنصات إلكترونية لابتوب أو آيباد أو مشغل وسائط يمكن متابعة الدروس من خلاله الدروس. وفي فبراير عام 2019، أطلقت أول قمر صناعي لها في الفضاء، وكان الهدف من ذلك ربط المدارس النائية في الدولة بالإنترنت، وتوفير فرص كبيرة للتنمية للجيل الجديد من الروانديين.
تعليم الفتيات: حققت رواندا تقدّماً كبيراً في مجال تعزيز تعليم الفتيات فقد وضعت في عام 2008 سياسة تعليم الفتيات ذات استراتيجيات محددة لتعزيز البقاء واستكمال التعليم في المدارس ومؤسسات التعليم العالي والتصدي للعوامل التي قد تحول دون المشاركة الكاملة.
وأنشئت فرقة العمل المعنية بتعليم الفتيات وهي عبارة عن تجمع سنوي للمؤشرات في مصفوفة السياسات وتعد تقييماً لنظام التّعليم على أساس نوع الجنس، لرصد الفوارق القائمة بين الجنسين واقتراح التدابير الكفيلة بالقضاء عليها، وقد بلغت نسبة المساواة بين الجنسين في التعليم الأساسي تقريباً 50.8/49.2 للفتيات والفتيان على التوالي.
التعليم من أجل مهارات العمل: ويعني التعليم من أجل مهارات العمل في رواندا أنه مزيج من المعارف والمهارات والتوجهات الملائمة للسياق، فاكتساب المهارات الفعالة وتأسيس الجدارات التعليمية يُمكن المتعلمين من المشاركة بفاعلية في السياقات المتعددة، أو المجالات الاجتماعية، والتي ستساهم في دعم البلاد على مستوى الافراد والمستوى القومي والاقليمي.
فاستُحدث التعليم التقني والمهني لتلبية احتياجات البلد إلى عمال مهنيين وتقنيين مؤهلين عبر تحويل بعض مراكز التدريب المهني إلى مدارس مهنية تقنية، تتاح فيها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والعلوم من خلال تجهيزها تدريجياً بمعدات الحاسوب وتدريب عدد كبير من المدرسين المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلاً عن تزويد الشُّعب العلمية في المرحلة الثانوية بأجهزة المختبرات وفقاً للموارد المتاحة.
اجمالاً، التجربة الرواندية في تطوير التعليم واحدة من اكثر النماذج إلهاماً في إفريقيا، فبعد صراعات وإبادات عرقية ومقتل نحو مليون ونصف المليون إنسان، انطلقت روندا تقريباً مما قبل الصفر وصارت واحدة من أفضل الدول فى النهوض بالتعليم، لذا وجب على الدول الإفريقية الأخرى المتأزمة وغير المتأزمة، النظر إلى التجربة الروندية نظرة تعلم واقتداء ولا مانع من التكرار والاحتزاء بالتجربة في الدول الأخرى مع الوضع في عين الاعتبار الظروف الفردية لكل حالة.

